عصرُ نوحٍ النبيّ عليه السلام
كانَ الناسُ يَعيشونَ أمّةً واحدةً .. حياتُهُم بسيطةٌ جدّاً.. يَزرَعونَ الأرضَ ويَصطادونَ الحيوانات..
وتَمُرُّ الأيامُ و الأعوام.. ويَستَغِلُّ الأقوياءُ قُوّتَهُم، فيَقهَرون إخوانَهُم الضُّعَفاء..
الضُّعفاءُ كانوا يَخافونَ الأقوياء.. لهذا خَضَعوا لهم ورَضُوا بحياةِ الذلِّ والعُبودية..
شاعَت الوثنيّةُ في زمنِ سيدِنا نوحٍ عليه السلام.. وشاعَ الفَساد.. الناسُ البُسَطاءُ كانوا يَخافونَ الأقوياءَ، والأقوياء كانوا يُعبُدونَ الأوثان..
في ذلك الزمنِ رُبّما قبلَ أكثر مِن أربعةِ آلافِ سنةٍ .. عاشَ سيدُنا نوحٌ في أرضِ النَّهرَين..
رأى سيدُنا نوحٌ قومَهُ غارقينَ في الفسادِ والانحرافِ، يأكُلُ القويُّ مِنهُم حقَّ الضعيف.. الأثرياءُ كانوا يَضطهدونَ الفقراء و يَجبُرونَهُم على العملِ ليلَ نهارَ.. فاذا عَجزَ الفقيُر أو فكّرَ أن يعملَ حُرّاً لنفسِه وأسرتِه.. ضَرَبوه وعَذّبوه حتى يَخضَعَ لهم ويُنفّذَ أوامرَهُم ويُصبِحَ عَبداً ذليلاً.
نَسِيَ الناسُ عبادةَ اللهِ الواحدِ، وراحُوا يَعبُدونَ أصناماً مَنحوتةً من الصَّخر.. كانوا يَعتقِدونَ أنها هي التي تَرزُقُهم وتُرسِلُ لَهُم المَطر.. وتَحمِيهم من خطرِ الصَّواعقِ .. وهي التي تَهَبُهُم الخيرَ وتَدفَعُ عنهم الشُّرور..
الأصنامُ نَحَتوها بأيدِيهم ووَضَعوها على شاطئ نهرِ الفُرات .. وراحُوا يَعبدونَها ويَركعون لها..
كانَ سيدُنا نوحٌ يتألّمُ لمنظرِ الناسِ وهم يَسجُدونَ لتلك الأصنام والأوثانِ الحَجَرية.. يَتألّمُ للناسِ و هم لا يَسجُدونَ للهِ سبحانه، ويَسجُدونَ لـ « وَدٍّ » و « وسُواعٍ » و « يَغوثَ » و « يَعوقَ » و « نَسر »!!
كان نوحٌ يَنظُرُ الى السماءِ يَدعو اللهَ أن يُنقِذُ قومَهُ من هذا الجهل والظلامِ.
اللهُ ربُّنا اختارَ نُوحاً نبيّاً وأرسَلَهُ الى الناس.
بَعَثَهُ اليهم لِيُعلّمَهُم عبادةَ اللهِ الواحدِ الأحد..
الدعوةُ الى توحيدِ الله
ذاتَ يومٍ.. رأى الناسُ نوحاً يَهتِفُ:
ـ يا قوَمي.. أنا رسولُ اللهِ اليكم.. اللهُ هو الذي خَلَقَكُم وهو الذي يَرزُقكُم.. اطلُبوا المغفرةَ من الله.. يَغفِر لكم.. اللهُ هو الذي يُرسِلُ لكم المطرَ والخِصبَ ويَجعَلُ أرضَكُم خضراء.. هو الذي يَرزُقُكم ويَهَبُكُم الأولادَ والبنات.. لماذا تُعرِضونَ عن عبادةِ اللهِ الواحدِ وتَعبُدونَ الحجارة ؟!
انظروا إلى السماءِ الواسعِة وما فيها من نُجوم.. وانظروا إلى الشمسِ والى القمر.. وانظروا كيف يعيشُ الناسُ ويموتون جِيلاً بعدَ آخر...
هل يُعقَلُ أن تكونَ هذه الحجارُة البَكماءُ التي تُسمّونَها وَدّاً وسُواعاً ويَغوثَ ويَعوقَ ونَسراً.. هي التي تَرزقُكُم وتَهَبُكُم البنينَ وتَرسِلُ لكم المَطر.. و هي تَحميكم من الصَّواعقِ والسُّيول.. ما لَكُم لا تَرجون اللهِ وَقاراً ؟!
تَعجَّبَ الناسُ من نوح.. كيف يَجرُؤ هذا النجّارُ على شَتمِ الآلهةِ.. يشَتِمُ وَدّاً وسُواعاً ويَغوثَ ويَعوقَ ونَسراً ؟!
الأقوياءُ كانوا يَحقِدونَ على نوح.. يَكرَهونَ دَعوتَهُ وكَلِماتِه.. إنّه يَدعو الى المساواةِ والأُخوّة.. إنّه يُريدُ للناسِ أن يَعيشوا أحراراً؛ ليس للغنيِّ والقويّ سُلطةٌ على الفقيرِ المُستضعَف.
من أجل هذا حارَبُوه.. قالوا عنه: إنه مَجنون.. قالوا عنه: إنه مُجرّدُ نَجّارٍ فقير.. لوكانَ رسولاً من الإلهُ لَكانَت عندَهُ خَزائنُ الأرض.. لماذا لا يُرسِلُ الإلهُ مَلاكاً؟! لماذا يُرسِلُ إنساناً مِثلَنا ؟!! إنّ نُوحاً أقلُّ مَنزِلةً منّا.. نَحنُ أكثَرُ منه مالاً وأولاداً وأكثَرُ سَطوَةً..
الناسُ البُسطاءُ كانوا يخافونَ من الأقوياء.. ظنّوا أن الحقّ معهم.. وأن الآلهةَ معهم، وهي التي مَنَحتهُم هذه القوّةَ والسَّطوة.
مِن أجلِ هذا أعرَضوا عن نوحٍ ودَعوتِه.. كانوا يَضَعونَ أصابعَهُم في آذانِهم حتى لا يَسمعوا كلماتهِ، لأنهم إذا اتّبعوا نوحاً فإنّ الآلهة سَتَغَضَبُ عليهم، والأقوياءُ سوف يَنتقِمونَ منهم.. وما فائدةُ نوحٍ الفقيرِ النجّار؟!
هكذا كان الناسُ يفكّرون.. قليلونَ جداً هم الذينَ آمَنوا بنوحٍ وصَدَّقوا كلماتِه.
كانَ بعضُ الرجالِ الفقراءِ والنساءِ يأتونَ الى منزلِ نوحٍ ويَستَمعونَ الى وَعظِه.. فتَمتلئ قُلوبُهم إيماناً باللهِ الواحدِ الأحد...
كانوا فقراءَ جداً وكانوا مُضطَهَدين.. يَخشَونَ انتقامَ السادةِ الأثرياءِ والجبابرةِ القُساة.
مِن أجلِ هذا ظَلَّ نوحٌ يدعو قومَهُ الى عبادةِ اللهِ الواحدِ ونَبذِ الأوثانِ والأصنامِ.. كان يَدعُوهُم ليلَ نهارَ.. في السِّرِّ وفي العَلَن.. لكنّ أحداً لم يُؤمِنْ بنوحٍ ألاّ القليلون.. القليلون جداً.. وكانَ هؤلاءِ فقراءَ مُستضعَفين.
كان سيدُنا نوحٌ يَتألّمُ مِن أجلهِم.. كانَ يُحِبُّ أن يَهتَديَ قَومُهُ، أن يعيشوا بسلام، لا يعتدي القويُّ فيهم على الضعيف.. كان يُحبُّ لهم أن يَعيشوا طَيّبين.. يَحتَرِمُ الصغيرُ الكبيرَ، ويَعطِفُ الكبيرُ على الصغير.. ولا يَظِلمُ بعَضُهم بعضاً.
الوَثَنيّونَ الذين كانوا يَعبُدونَ الأوثانَ رَفَضوا دعوةَ سيدِنا نوح.. رَفَضوا التوحيد.. كانوا يَسخرونَ من نوحٍ الرجلِ النجّارِ الفقير.
الأثرياءُ مِن قومِ نوحٍ يَعتقدونَ أنهم أفضَلُ من نوح.. لأنهّم أكثرُ أموالاً وأولاداً وأكثرُ قوّة..
ذاتَ يومٍ جاء الكافرونَ الى سيدِنا نوحِ.. قالوا له:
ـ كيف تُريدُنا أن نؤمَن بك.. ولم يَتَّبِعكَ سوى هؤلاءِ الفقراءِ الذين لا شأنَ لهم؟!
قالوا له:
ـ إذا طَرَدتَهُم سوف نُؤمنُ بك ونَتّبعُك..
قالَ سيدُنا نوحٌ:
ـ كيف أطرُدُهُم؟! كيف أطرُدُ المؤمنينَ ؟! إنّ اللهَ لا يُحبُّ ذلك.. إنّه عَمَلٌ شائن..
وقالَ سيدُنا نوحٌ لهم:
ـ لماذا تَعتقَدونَ أنّهم أراذِل؟! إنّهم إخوَةٌ لنا.. الناسُ جميعاً إخوةٌ مُتَساوون.
قالَ الوثنيّوَن لسيدِنا نوحٍ عليه السلام:
ـ أنتَ رجُلٌ كذّاب.. ونحن لا نُؤمنُ بك.. لو كنتَ رسولاً من اللهِ لَكنتَ الآنَ من
أكثرِنا ثَراءً.. ولَكانت في يدِك خزائنُ الأرض!
وقالوا له:
ـ ألَم يَجِدِ اللهُ أحداً غيرَكَ لِيُرسِلَهُ الينا.. أنت الرجُل الفقير؟!
قالَ سيدُنا نوح:
ـ يا قَومي لا تُكَذّبوا رسالةَ اللهِ.. إنَ الله سيُعاقِبُكُم..
قالَ له قومُه:
ـ أنتَ تُجادِلُنا كثيراً.. إذا كنتَ صادقاً فائْتِنا بالعذاب.. نحن لا نَخافُ تَهديداتِك.. لأنّك رجُلٌ كاذب.
استمرّ سيدُنا نوحُ يدعو قومَهُ الى عبادةِ التوحيد. مَرَّت مئاتٌ من السنين.. وكانَ الناسُ يَموتون.. وأطفالٌ يُولَدون.. يَكبرونَ و يكبرون، وكانَ سيدُنا نوحٌ يَدعوهم الى عبادةِ الله.. ولكنّ الأطفالَ الذينَ أصبحوا شبّاناً كانوا يَكفُرون.. كانوا يَسجُدونَ للأصنام ويَترُكون عبادةَ الله.
هل تَعلَمُ كم سنةً استمرّت دعوةُ سيدِنا نوحٍ عليه السلام؟ لقد استمرّ يُدعو قومَهُ مدّة 950 سنة؟!
أصبحَ سيدُنا نوح شيخاً كبيراً طاعِناً في السنّ، ولكنّه ظلَّ قويّاً لا يخافُ الكافرين.
كم مرّة ضَرَبوه حتى كادَ يَموت.. كم مرّة تآمَروا لقتلِه.
حتّى زوجَتُه كانت مع الكافرين.. كانت تُخبِرُهُم عن الناسِ المؤمنينَ الذين يأتونَ لزيارةِ سيدِنا نوح.
في كلِّ مرّةٍ كانَ نوحٌ يدعو قومَهُ وَينصَحُهم.. يَعِظُهم، ولكنْ لا فائدة.
كانوا يَسخَرونَ منه.. وكان سيدُنا يُحبُّ قومَهُ، يريدُ لهم الِهداية.. لهذا كان يَبكي من أجلِهم.. يبكي مَصيرَهُم التَّعِس.. لأنّهم سيموتون كُفّاراً..
ذاتَ يومٍ كانَ سيدُنا نوحٌ في منزلهِ.. جاء رجُلٌ عجوزٌ يَتَوكّأ على عصا.. كان معه حَفيدُه الصغير.. قالَ العجوزُ لحفيدِه:
ـ أُنظُرْ يا وَلَدي الى هذا الشيخِ.. إنه رجُلٌ مجنون.. عندما تَكبُر وتُصِبحُ شابّاً فاحذَرْ أن يَخدَعَكَ.. فتَتَرُكَ عبادةَ وَدٍّ وسُواع.. ويَغوثَ ويَعوقَ ونَسر!
الصبُيّ أمسكَ بعصا جَدِّه وتَقدَّمَ الى سيدِنا نوحٍ وضَرَبَه على رأسِه!!
شعرَ سيدُنا نوحٌ بالألم، وفي كلِّ مرّة كان يَتحمَّلُ ويَصبِر.. لعلّهم يَنتبهونَ ذاتَ يومٍ ويؤمنونَ باللهِ الواحدِ الأحدِ خالقِ الحياة والناسِ والأشجارِ والأنهارِ.. خالقِ كلِّ شيء.
هكذا كانَ يعيشُ سيدُنا نوحٌ.. حتى امرأتُه كانت ضِدَّهُ وَقَفَت الى جانبِ الكفّار..
وكانَ لسيدِنا أولادٌ كلُّهم آمنوا به إلاّ ولداً واحداً كانَ يتَظاهَرُ بالإيمانِ، ولكنّه في الحقيقة كان وَثنيّاً.. لا يُؤمنُ باللهِ سبحانه.
اللعنة
جاء الملاكُ من السماءِ وقالَ لسيدِنا نوح:
ـ مَهما تَدعو فلن يُؤمِنَ أحدٌ منهم.. لا تُتعِب نفسَكَ معهم، إنهم أناسٌ مَلعونون..
هنالكَ رَفعَ سيدُنا نوحٌ يَدَيهِ نَحوَ السماءِ وراحَ يَدعو اللهَ أن يُطَهِّرَ الأرضَ من شُرورِ الكفّارِ:
ـ رَبِّ لا تَذَرْ علَى الأرضِ مِن الكافرينَ دَيّارا. إنَّكَ إنْ تَذَرْهُم يُضِلُّوا عِبادَكَ، ولا يَلدِوا إلاّ فاجِراً كفّارا .
سفينةُ الإنقاذ
أوحَى اللهُ سبحانه الى سيدِنا نوحٍ عليه السلام أن يَصنَعَ سفينةً كبيرة.
كَفَّ سيدُنا نوحٌ عليه السلام عن دعوةِ قومِه.. في البدايةِ تَعجَّبَ الكفّارُ: لماذا سَكَتَ نوحٌ بعد 950 سنة؟! لماذا لا يَدعُوهم؟! لَم يَعُد يَراهُ أحد.
سيدُنا نوحٌ اختارَ مكاناً خارجَ القريةِ لبناءِ سفينةٍ كبيرة. كانَ نوحٌ نجّاراً حاذِقاً في عَمَلِه.. وكانَ عليه أن يَجمَعَ ألواحاً كثيرةً وكبيرةً من الخشب..
الناسُ المؤمنونَ جاءوا لمساعدةِ النبيِّ في عملِه.. راحُوا يَجمَعونَ جُذوعَ النخيلِ والأشجارِ ويَصنعونَ منها ألواحاً بأحجامٍ مختلفة.
لم يكن بناءُ السفينةِ سهلاً، لأنّها كانت سفينةً كبيرةً جداً.
السفينةُ التي يُريدُ أن يَصنَعها سيدُنا نوح تتألفُ من ثلاثة طَوابق، كان طولُ السفينةِ أكثرَ من 200 م في عرض 70م وارتفاع 25م.
لَم يَترُكِ الوَثنيّونَ سيّدَنا نوحاً وشأنَهُ.. كانوا يأتُونَ الى مكان العمل ويَسخَرونَ من النبيِّ والذينَ آمنوا..
كانَ سيدُنا نوحٌ يَعملُ في صناعةِ السفينةِ، وكان المؤمنونَ يَحمِلونَ ألواحَ الخشبِ وبعضهُم يَدُقُ المَساميرَ وآخَرونَ يُزَفِّتونَ الأخشابَ بالقار.
الوثنيونَ كانوا يَسخَرون، قالَ بعضُهم:
ـ أُنظُروا الى هؤلاِءالمَجانين يَصنعونَ سفينةً في الصحراء!
وقالَ أحَدُهم:
ـ إن نوحاً قد خَرِفَ وفَقَدَ عَقلَهُ!
ـ وقالَ آخر:
إنّه لا يُحسِنُ سوى النجارةِ.. إنّه نجارٌ حاذقٌ في عَمَلهِ.. ولكن يا للأسفِ إنه مجنون!
ـ إنه مُخادِعٌ ربّما يُريدُ أن يَبنيَ قصراً كبيراً.
صاح رجُلٌ وثني:
ـ يا نوح، ماذا تَفعل؟ أين البحرُ الذي سَتمخَرُ فيه سَفينَتُك؟!
ضَحِكَ الوثنيونَ وصاحَ بعضُهم:
ـ يا نوح، لا تَنسَ الأشرعة.. فالأمواجُ عنيفةٌ والرياحُ شديدة!
كانَ الوثنيونَ يضحكونَ ويَسخرون..
لم يَقُل سيدُنا نوحٌ شيئاً، قال لهم:
ـ سيأتي يومٌ نَسخَرُ فيه منكم كما تَسخرون منّا.
كانَ العملُ في السفينةِ شاقّاً جداً يَتطلّبُ صبراً طويلاً..
صبراً على أذى الوثنيينَ وسُخريتهم، وصبراً على العملِ المتواصلِ والمستمرِ.
السفينةُ التي سيَصنَعُها سيدُنا نوحٌ سفينةٌ كبيرة.. سفينةٌ لإنقاذِ النوعِ
البشري.. وإنقاذ مختلفِ الحيواناتِ من خطرِ الانقراض.
اللهُ ربّنا أراد أن يُطهِّرَ الأرضَ من الشُّرورِ والظلم.. يَغسِلَها من كلّ الآثامِ.. لهذا أوحى الى رسولِه نوحٍ عليه السلام أن يَصنَعَ الفُلكَ.. أن يَصنَعَ السفينةَ من أجلِ إنقاذِ الناسِ المؤمنينَ.. الناسِ الطيّبينِ..
أما الظالمون الذينَ لا يُريدونَ العدالةَ ولا يُحبّونَ المساواةَ فيكونُ مَصيرُهُم الفَناء.
استَمرّ العملُ في صُنعِ السفينةِ سنينَ طويلةً.. استمرّ سيدُنا نوحٌ والمؤمنونَ يعملونَ بهمّةٍ ونشاطٍ مدّة ثمانينَ سنة.
كانت سفينةً كُبرى.. ومُهمّتها كُبرى، فهي سفينةٌ لإنقاذِ النوعِ البشريِ والحيواني من خطرِ الفناء.
لهذا بَذَلَ سيدُنا نوحٌ والمؤمنونَ كلَّ جُهودِهم في إتمامِ سفينةِ الإنقاذ.
الوثنيّونّ كانوا يَسخَرونَ من النبي والذينَ آمنوا.. قالوا عنهم: مَجانين وأراذل.. حارَبوهُم.. اضطهَدوهُم.. ولكنّ الأملَ في نفوسِ المؤمنينِ كانَ يكبُر يوماً بعد آخر.. لأنّ اللهَ سبحانه سوف يُطهّرُ الأرض من الظلمِ والعُدوانِ ومن شُرورِ الظالمين..
سوف تَغسِلُ المياهُ الأرضَ من الذنوبِ والآثامِ.. تُصِبحُ نظيفةً جداً وطاهرةً، وعندها سيعيشونَ في طُمأنينةٍ وسلام..
ويحيا أبناؤهُم في مجتمعٍ آمِنٍ مُستقر.
هذا.. وكانَ المؤمنونَ يَتحمّلونَ أذى الوثنيين.. ويَتحمّلونَ مَشاقَّ العمل في صٌنعِ أكبرِ سفينةٍ للإنقاذ.
الانتظار
بَعدَ ثمانينَ سنةً مِن العملِ المُتَواصِلِ.. فَرَغَ سيدُنا نوحٌ والمؤمنونَ مِن صُنع السفينةأصبَحَت جاهزةً تماماً، فقد طُلِيَتْ بالقار.. ونُصِبَتْ فيها الأشرِعة..
كان المؤمنونَ يأتونَ اليها وينظرونَ.. أصبَحَت السفينةُ أمَلَهُم في حياةٍ افضلَ..
أصبَحَت أملَهُم في الخَلاصِ من الظلمِ واللامساواةِ.
كانتَ السفينةُ تتألّفُ من ثلاثةِ طَوابق.. طابق سُفلي، وطابق في الوسط،
وطابق عُلويّ.
الطوابقُ جميعاً كانت مُجهَّزةً بنوافذَ صغيرةٍ.. في مقدّمةِ السفينةِ وفي الطابقِ الأوسطِ مقصورةٌ للقيادة وهدايةِ السفينةِ .
كلُّ شيءٍ كان جاهزاً.. وكانَ سيدُنا نوحٌ والمؤمنونَ ينتظرونَ أمرَ الله سبحانه..
كانَ أذى الوثنيينَ يَزداد.. وسُخريَتهُم تَزداد.. وتَعذيبُهم للمؤمنينَ يزداد.
جاءت امرأةٌ عَجوزٌ مع ابنتِها الصغيرةِ الى سيدِنا نوحٍ.. سألَته عن يومِ الخَلاصِ.. قالَت له:
ـ متى يُنقِذُنا اللهُ من شرِّ هؤلاءِ الكفّار؟
سيدُنا نوحٌ لا يَدري متى.. لهذا نَظَر الى السماءِ.. إن الله وحدَهُ هو العالِم..
في هذهِ اللحظةِ هَبَطَ المَلاكُ وأخبَرَ سيدَنا نوحاً قالَ له:
ـ عندما يَفُورُ التنّورُ في بيتِ هذه المرأةِ.. فاعلَمْ أن مَوعِدَ الطُّوفان قد دنا..
قالَ سيدُنا نوحٌ للمرأة:
ـ إنّ الله قد جَعلَ لذلكَ آيةً وعَلامةً.. لقد أوحى إليّ اللهُ أنّ التنّورَ في بيتكِ سيَفورُ.. سيَخرُجُ منه الماءُ مِثل النافورة.. وهذهِ علامةٌ ليومِ الخَلاصِ.
المرأةُ العجوزُ فَرِحَت لهذهِ الكرامةِ.. والِبنتُ الصغيرةُ ابتَسَمت لهذا الأمل..
كلَّ يومٍ كانَ المؤمنونَ يأتُون الى منزلِ المرأةِ العَجوز.. يَنظُرونَ الى التنّورِ، ولكنْ لا شيء.. وكانَ سيدُنا نوحٌ ينظرُ اليه أيضاً ولكنْ لم يَخرُجْ منه الماء..
.. وفارَ التنّور
وذاتَ يومٍ كانت السماءُ تَزدَحِمُ بالغُيومِ السَّوداء، أصبَحَ الفضاءُ مُظلِماً جداً..
كانَ سيدُنا نوحٌ ينظُر الى السماءِ وينظرُ أمرَ الله.
الوثنيونَ كانوا يَزدادونَ ظُلماً وفَساداً، يَقتُلونَ و يَسرِقون.. يَعملونَ الفواحشَ.. وكان الشرُّ يَزدادُ كلَّ يوم.
جاءت الفتاةُ الصغيرةُ الى نوحٍ.. جاءت تَركُضُ، قالت له:
ـ لقد فارَ التنّور!
أسرَعَ سيدُنا نوحٌ الى التنّور.. لقد صَدَقَ اللهُ وعدَهُ.. التنّورُ تَحوّلَ الى نافورة. الماءُ يتدفّقُ بقوّة.. والمرأةُ العجوزُ كانت حائرةً لا تدري ماذا تفعل..
جاء المؤمنونَ لينظروا الى آيةِ اللهِ سبحانه.. كان بعضُهم يَنظُر الى التنّورِ بدَهشة، وبعضُهم ينظرُ الى السماء، وكان الجميعُ يَبكونَ من الفَرَح.
السماءُ كانت مُثقَلَةً بالغُيومِ.. مليئةً بالسُّحُبِ السَّوداء.
أصبَحَ النهارُ مِثلَ الليل..
هَتَفَ سيدُنا نوحٌ بأتباعِه:
ـ هيّا الى السفينة..
انطلَقَ الجميعُ الى خارجِ القريةِ.. كانت السفينةُ في مكانِها كأنها تَنتظرُ المؤمنين..
وَقَف سيدُنا نوحٌ يُشرِفُ على رُكوبِ المؤمنين..
فجأةً لَمَعَت الصواعقُ في السماء، ودَوّى الرَّعدُ بشدّة..
وهَطَلَت الأمطارُ بغزارةٍ. كانَ المؤمنونَ يَركبونَ في السفينِة الواحدَ بعد الآخرِ.. النساء والرجال.. جاء أولادُ نوحٍ كلّهُم إلاّ ولداً واحداً لم يَحضُر..
امرأةُ نوحٍ لم تَحضُرْ.. كانت وثنيّة لم تُؤمِن برسالةِ زوجِها..
وحتّى لا تَنقَرِضَ الحيواناتُ أوعَزَ اللهُ الى سيدِنا نوحٍ أن يُدخِلَ في السفينة مِن كلِّ حيوان زَوجَينِ اثنين..
لهذا أمَرَ سيدُنا نوحٌ أن يُخَصَّصَ الطابَقَ السُّفلي للحيواناتِ الكبيرة.. أمّا الطيورُ فيكون مكانُها الطابقَ العُلوي.
الطُّوفان
انفَجَرَتِ الأرضُ بالعُيون.. في الوِديانِ وفي الجبالِ وكان المطرُ يزداد غَزارةً.. والرياحُ تَعصِفُ بشدّةٍ.. والصَّواعقُ تَسطَعُ في الفضاءِ والرُّعودُ تُدَوّي في السماء.
الأرضُ تَحَوّلَت الى ينابيعَ فَوّارةٍ.. والسماءُ تَصُبُّ الماءَ مِثلَ الاْنهار.
أُدخِلَت جميعُ الحيواناتِ والطيورِ.. ووَقَف المؤمنونَ في الطابقِ الأوسطِ ينَظُرونَ مِن النوافذِ الى الطُّوفانِ الهائل.
المياهُ تَنحَدِرُ من أعالي الجبالِ.. الوِديانُ تَحوَّلَت الى أنهارٍ تَتَدَفّقُ بالماء، والمطرُ يَهطِلُ بغزارةٍ عجيبةٍ، والرياحُ تَعصِف.. وفَرَّ الوثنيونَ من القرية.. فرّوا باتجاهِ الجبالِ.. لم يُصدّقوا بَعدُ كلماتِ سيدِنا نوح.
الابنُ الغَريق
كانَ سيدُنا نوحٌ ما يَزالُ يَنتظِرُ عَودةَ ابنِه.. كانَ يَظُنُّهُ مؤمناً.
أصبَحَتِ الأرضُ بَحراً كبيراً مُتلاطِمَ الأمواج..
سيدُنا نوحٌ يَنظرُ الى جهةِ القريةِ لعلّهُ يُشاهِدُ ابنَهُ.. لاحَ ابنُه من بعيدٍ كانَ يَسبَحُ باتجاهِ الجبال.
هتَفَ سيدُنا نوحٌ بابنهِ:
ـ يا بُنّيَّ: تَعالَ اليّ تَعالَ إلى السفينةِ يا وَلَدي.
صاحَ الابن:
ـ كلاّ سوفَ ألجَأُ الى الجبلِ.. إنّه يَحميني من الماءِ والغَرَق.
هَتَفَ سيدُنا نوحٌ وسطَ العواصفِ والأمواجِ والمَطَر:
ـ يا بُنَيَّ، اركَبْ مَعَنا.. ليسَ هناكَ مَن يَحميكَ من المصيرِ الأسوَد..
أرادَ سيدُنا نوحٌ أن يُفهِمَ ابنَهُ أنّه لا عاصِمَ اليومَ مِن أمرِ الله.. سوفَ تَغرَقُ الأرضُ و التِّلالُ والجِبالُ وكلُّ المُرتَفعاتِ، لأنّ اللهَ يُريدُ أن يُطهِّرَ الأرضَ من الشُّرور..
أرادَ سيدُنا نوحٌ أن يَهتفَ بابنهِ مرّةً أخرى.. ولكنّ موجةً عاليةً وعنيفةً حالَت دونَ ذلك، قَذَفَت الأمواجُ الابنَ بعيداً.. لِيَغرَقَ في الطُّوفان.
كانَ سيدُنا نوحٌ يَظَنُّ أنّ ابنّهُ مؤمن.. وقد وَعَد اللهُ سبحانه نوحاً أنّه سيُنقِذُ أهلَه الا امرأتَه.. لهذا رَفعَ نوحٌ رأسَهُ الى السماءِ ونادى:
ـ يا ربِّ إنّ ابني مِن أهلي. وإنّ وَعَدَكَ الحّقُّ وأنتَ أحكَمُ الحاكمين.
وأوحى اللهُ سبحانه الى سيدِنا نوحٍ وقالَ له:
ـ يا نُوحّ إنّه ليس مِن أهلِك، إنّه عَمَلٌ غيرُ صالحٍ.. فلا تسألني ما ليس لك به عِلم.
أدركَ نوحٌ أنّ ابنَهُ كانَ وَثنيّاً لم يُؤمِنْ بالله ولم يُصدِّقْ رسالةَ والدِه النبيّ عليه السلام، لهذا استّغفرَ سيدُنا نوحٌ ربَّهُ وقال:
ـ يا ربِّ أعوذُ بك أن اسألَكَ ما ليس لي به عِلم. وإلاّ تَغفِرْ لي وتَرحَمْني أكُنْ من الخاسرين.
ابتَلَعتِ الأمواجُ كلَّ شيء.. غَرقَ كلُّ شيءٍ في الطُّوفانِ المُدمِّر.. وتَحرّكت السفينةُ.. عامَت فوقَ الماء، وهَتفَ سيدُنا نوح:
ـ بِسم الله مَجْراها ومُرْساها!
سفينةُ الإنقاذِ تَشُقُّ طريقَها وسطَ الأمواج.. أصبَحَت الأرضُ بحراً كبيراً لم يَعُد هناْك شيء سوى الماءِ وسوى رؤوسِ الجبال..
ما يَزالُ المطرُ يَهطِلُ ويَهطِل.. والأرضُ تَفورُ بالمياهِ. وتَمرُّ الأيامُ.. والسماءُ تَنهَمِرُ بمطرٍ غزيرٍ، والرياحُ تَعصِفُ بِعُنف.. أصبحت الأمواجُ أكثرَ عُنفاً.. كانت مِثلَ الجبال..
مَرَّ أربعونَ يوماً، والسماءُ تُمطِرُ بغزارةٍ، والسفينةُ تَشُقُّ طريقَها وسطَ الأمواجِ الهائلِة التى تُشِبهُ الجِبال.
كانَ سيدُنا نوحٌ والمؤمنونَ يَدْعُونَ اللهَ ويَتضَرّعونَ اليه بالرحمةِ والنجاة.
الكلماتُ المُقدّسة
وجاءَ المَلاكُ لِيُعلِّمَ النبيَّ والمؤمنينَ الكلماتِ المقدّسةَ.. كَتَبَ تلكَ الكلماتِ على لوحٍ صغيرٍ.. لتكونَ حِرْزاً يَحرِسُ السفينةَ ويَحميها مِن الغَرَقِ في الطُّوفان..
في ذلك الزمانِ كانَ الناسُ يَكتُبونَ باللُّغة السُّريانيّةِ
القديمةِ. كتَبَ نوحٌ الكلماتِ المقدسةَ على اللَّوح:
يا إلهي ويا مُعيني.. برحمتِك وكرمِك ساعِدْني
ولأجلِ هذه النفوسِ المقدَّسة:
محمد، إيليا، شبر، شبير، فاطمة
الذينَ هُم جميعاً عُظَماء ومُكرَّمون
العالَمُ قائمٌ لأجلِهم.
ساعِدْني لأجلِ أسمائهم
أنت فقط تَستطيعُ أن تُوَجِّهَني نحوَ الطريقِ المستقيم.
علّق سيّدُنا نوحٌ اللوحَ في مقدمةِ السفينةِ، وكانَ المؤمنونَ يتأمّلونَ في تلكِ الاسماءِ المقدّسةِ لأشخاصٍ لم يُولَدوا بَعدُ.. إنّهم مِن ذرّيةِ نوحٍ عليه السلام وسُلالَتِه. وتمضي السفينةُ تَشُقُّ أمواجَ البحرِ الثائرةَ باتّجاهِ الشمال.المطرُ ما يَزالُ يَنهمِرُ بغزارةٍ، والمؤمنونَ يَتضَرّعونَ الى اللهِ من أجلِ أن يُنقِذَهُم من الطُّوفانِ الهائل.
بعدَ أربعينَ يوماً تَوقّفَ المَطَر.. وشيئاً فشيئاً انقَشَعَتِ السُّحُب، وأشرَقَت الشمس، وظَهَر في الأُفقِ قوسُ قُزَحٍ الجميل.. قوسٌ ملوّنٌ فيه الأخضرُ والأزرقُ والأحمرُ والبُرتقالي والبنفسجي.. ألوانٌ جميلةٌ تَرسِمُ الأملَ في الحياة.
أطلَقَ سيدُنا نوحٌ غُراباً، طارَ الغُرابُ في السماء.. دارَ في الفضاءِ ثم عاد.. عادَ لأنّه لم يَجِد أرضاً يابسة.
في المرّةِ الثانية.. أطلَقَ سيدُنا حمامةً بيضاءَ..انطَلَقتِ الحمامةُ، راحَت تَطيرُ فوقَ المياهِ إلى أنِ اختَفَت.
بعدَ مُدّةٍ.. عادَتِ الحمامةُ وهي تَحملُ في مِنقارِها الوَردي غُصنَ زَيتون.
فَرِحَ سيدُنا نوحٌ وفَرِحَ مَعه المؤمنون.. لقد انتهى الطُّوفان، وقد أنقَذَ اللهُ النَّوعَ البَشَريَّ من الفَناء.. بعدَ أن أغرَقَ الأرضَ ليغسِلَها من الشُّرور.
في المرّةِ الثالثةِ.. أطلَقَ سيدُنا الحمامةَ نفسَها. طارَت الحمامةُ في السماءِ ولم تَعُد..
عَرَفَ سيدُنا نوحٌ أنّ الحمامَة قد وَجَدَت أرضاً يابسة لِتَبني عُشَّها.. وتَستأنِفَ حياتَها.
سارَتِ السفينةُ باتّجاهِ الشَّمالِ، إلى أن رَسَتْ فوقَ قِمّةِ جَبَلِ « جُودي »
الله سبحانه أوحى الى السماءِ والأرضِ أنْ: يا أرضُ ابلَعِي ماءَكِ، ويا سماءُ أقلِعي.. وغِيضَ الماء.
تَوَقَّفَت السماءُ عن المطرِ، والأرضُ بَدأت تَشرَبُ المِياه، وكانَ مَنسوبُ الماءِ يَتضاءلُ يوماً بعدَ آخر.
ظَهَرت الجبالُ.. وظَهَرت التلالُ والهِضابُ، وظَلَّت بعضُ الوديانِ مليئةً بمياهِ المطر.
أوحى اللهُ الى سيدِنا نوحٍ أن: اهبِطْ بسلامٍ منّا وبَرَكاتٍ عليكَ و على أُمَمٍ مِمَّن معك.
غادَرَ سيدُنا نوحٌ السفينةَ ومعه المؤمنونَ.. هَبطوا من فوقِ الجبل..
أصبَحَت الأرضُ نَظيفةً طاهرة.. عادَ المؤمنونَ الى حياتِهم. كانوا مُجتَمعاً صغيراً ولكنّه كان نظيفاً، مُؤمناً باللهِ ورسولِه.
بَدأت الحياةُ البشريةُ تَعودُ الى الأرضِ، والمُجتَمعُ المؤمنْ يحيا بسلامٍ.. لم يَكُن هناكَ ظالمٌ ولا مظلوم.
ليس فيهم مَن يَسرقُ أو يَفعَلُ الشُّرورَ.. وهكذا عاشَ سيدُنا نوحٌ والمؤمنونَ بسلام.
عاشَ سيدُنا نوحٌ حياةً طويلةً.. كان عُمرُه طويلاً جداً، لأنّه لَبِثَ في قومِه يَدعُوهم الى التوحيدِ 950 سنة.
ولكنْ.. كم كانَ عُمرهُ عندما بَعَثهُ اللهُ رسولاً الى قومِه؟ وكم عاشَ سيدُنا نوحٌ بعد الطُّوفان؟ لا أحدَ يدري، ولكنْ مِن المُؤكَّدِ أنّ سيدَنا نوحاً عاشَ طويلاً جداً.
وعندما جاءهُ مَلَكُ الموَتِ كانَ سيدُنا نوحٌ جالساً تحتَ أشعّةِ الشمسِ، سأله مَلكَ الموتِ: ما هو رأيُكَ في الحياة وقد عمّرتَ طويلاً.. ؟
نَهضَ سيدُنا نوحٌ وجَلسَ في الظِّلِّ وقال:
ـ رأيتُها هكذا.. كما لو كنتُ جالساً في ضوءِ الشمسِ فتَحَوّلتُ الى الظلّ!
وأغمَضَ سيدُنا نوحٌ عينَيه.. لقد أدّى رسالَتَهُ وقامَ بِمُهمّتِه في أنقاذ الجنسِ البَشَريِ من خطرِ الفَناء..
من أجلِ هذا خَصَّهُ اللهُ سبحانه بالسلامِ الأبديّ قائلاً:
سَلامٌ على نُوحٍ في العالَمِينَ .
أسماء مباركة توسل بها نوح (عليه السلام)
في تمّوز عام 1951م حينما كان جماعةٌ من العلماء السوفيت المُختصّين بالآثارِ القديمةِ يُنقّبون في منطقةٍ بوادي قاف.. عَثَروا على قِطَعٍ مُتناثرةٍ من أخشابٍ قديمةٍ مُتَسِّوسة وبالية، ممّا دعاهم الى التنقيبِ والحفرِ أكثرَ وأعمقَ، فوقفوا على أخشابٍ أخرى مُتحجِّرةٍ وكثيرةٍ كانت بعيدةً في أعماقِ الأرض!!
ومن بين تلك الأخشابِ التي تَوصّلوا اليها نتيجةَ التنقيبِ خشبةٌ على شكلِ مستطيل طولُها 14 عقداً وعرضها 10 عقود، أثارت دَهشَتَهُم واستِغرابَهُم حيثُ لم تَتَغيَّر فلم تَتَسوَّس ولم تَتناثر كغيرِها من الأخشابِ الأخرى.
وفي أواخرِ سنة 1952 أُكمِلَ التحقيقُ حولَ هذه الآثارِ فظهَر أن اللوحةَ المُشارَ اليها كانت ضمنَ سفينةِ النبي نوحٍ عليه السلام، وأنّ الأخشابَ الأخرى هي أخشابُ جسمِ سفينةِ نوح.
وممّا يَذكرُه المؤرخونَ أن سفينةَ نوح عليه السلام استَوَت على قمّةِ جبلِ قاف. وشُوهِدَ أن هذه اللوحةَ قد نُقِشَت عليها بعضُ الحروفِ التي تَعودُ الى أقدَمِ لغة.
وهنا ألَّفت الحكومةُ السوفيتيةُ لجنةً بعد الانتهاء من الحفرِ عام 1953 قِوامُها سبعةٌ من علماءِ اللغاتِ القديمة ومن أهم علماء الآثار، هم:
1ـ سوله نوف، أستاذ اللغات في جامعةِ موسكو.
2ـ إيفاهان خنيو، عالم اللغات القديمة في كلية لولوهان بالصين.
3ـ ميشانن لو، مدير الآثار القديمة.
4ـ تانمول گورف، أستاذ اللغات في كلية كيفزو.
5ـ دي راكن، أستاذ الآثار القديمة في معهد لينين.
6ـ ايم احمد كولاد، مدير التنقيب والاكتشافات العامّ.
7ـ ميجر كولتوف، رئيس جامعة ستالين.
وبعد ثمانيةِ أشهرٍ من دراسةِ تلك اللوحةِ والحُروفِ المنقوشةِ عليها: اتفقوا على أن هذه اللوحةَ كانت مصنوعةً من نفسِ الخَشَبِ الذي صُنِعَت منه سفينةُ نوح عليه السلام، وأن النبيَّ نوحاً عليه السلام كان قد وَضَع هذه اللوحةَ في سفينتهِ للتبرّكِ والحِفظ.
وكانت حروفُ هذه اللوحةِ باللغة السُّريانية، وقد تَرجَمَها الى الانجليزيةِ العالِمُ البريطاني ايف ماكس أستاذ اللغات القديمةِ في جامعة مانچستر، وهذا نصها مع تعريبها:
يا إلهي ويا مُعيني