تزايدت التحذيرات من مخاطر الوجبات السريعة على حياة الناس لكونها تسبب البدانة، التي أضحت أحد أسباب زيادة الوفيات كما أظهرت أخيراً دراسات بريطانية وأميركية.
على العكس من ذلك، لوحظ في العالم العربي انتعاش المأكولات السريعة التي تنشرها ثقافة الأكل الأميركية من طريق بعض المطاعم المعروفة، فيما أضحت المأكولات التقليدية بنظر كثيرين لا سيما الشباب، عنواناً لعدم اللحاق بالعصرنة والحداثة، ما أدى إلى تراجع دورها في المطبخ العربي. ففي الساحل السوري مثلاً كان الناس يجمعون الأعشاب والجذور البرية أو السليق البري كما يسمونه قبل تحويلها إلى وجبات شهية تطبخ بزيت الزيتون والثوم أو البصل.
وفي الذاكرة، أن قائمة تلك الأعشاب تشمل «عصاة الراعي» و«الحميضة» و«الرقيمة» و«القريصة» و«القلانبة» وغيرها. وراهناً، لم تعد تلعب هذه المأكولات دوراً يذكر في حياة الناس هناك إلا نادراً.
وليست بالصدفة عودة الناس إلى المأكولات التقليدية وفي مقدمها النباتية، إذ ساهمت فيها الأخبار المتواترة عن مضار ما يسمى «الوجبات السريعة» («فاست فود» Fast Food) التي تعتمد على اللحوم والبطاطا المقلية بالزيوت المهدرجة. ففي جامعة «برنستون» الأميركية لاحظ بعض الباحثين أخيراً أن هذه المأكولات التي تحتوي على كميات كبيرة من الدهون، تعوّد المرء على الإفراط في تناول الطعام لدرجة الإدمان! ويشبه ذلك أثر تناول الأطعمة الدسمة، التي تثير الشهية لتناول الحلويات بكميات كبيرة الأمر الذي يساهم في نشوء السكري والسمنة والاضطرابات النفسية. وتكمن الخطورة لاحقاً في فقدان السيطرة على الشهية التي يتحكم بها نظام معقد من الهرمونات والمواد.
وفي دراسة نشرتها مجلة «نيو ساينتست» العلمية تبيّن أن كميات السكر والدهون الموجودة في الأطعمة السريعة قد تخل بالنظام المتحكّم بالشهية في الجسم. إذ تزيد مثلاً في إفراز إحدى المواد الدماغية التي تُحفز شهية الأكل، ما يجعل الإنسان أكثر مقاومة لهرمون «لبيتن» الذي يساعد على كبح الشهية، ما يطلق العنان للوجبات الضخمة التي تُمهد لزيادة الوزن المفرطة.
وأفادت دراسات متفرقة نشرت على بعض المواقع المتخصصة على الانترنتً، أن البدانة الناتجة من إدمان كهذا أضحت المسبب الأول للوفيات في بلد مثل بريطانيا، وأنها حلت مكان إدمان راسخ مثل التدخين.
ويؤكد العلماء البريطانيون في دراسة حديثة أن الأطفال في بريطانيا أكثر عرضة للأمراض الخطيرة على ضوء إصابة 10 في المئة منهم بالسمنة. كما أن 20 في المئة عانوا من الوزن الزائد. وكشف الدكتور إيريك شلوسر خبير الأغذية الأميركي في كتابه «أمة الأغذية السريعة» عن زيادة حالات الوفيات بين الأطفال من عمر 6 إلى 10 سنوات بعد تضاعف عدد مطاعم الوجبات السريعة في بريطانيا. وفي الولايات المتحدة تؤدي السمنة التي تسببها هذه الوجبات إلى وفاة 300 ألف شخص سنويّاً وتحتل بذلك المركز الثاني بعد التدخين الذي يتسبب في وفاة 400 ألف شخص. وعلى صعيد آخر، أفاد باحثون اسكتلنديون أن مواد الوجبات السريعة تسبب أمراض الربو عند الأطفال لخلوها من الخضروات والفواكه.
من يوقف الـ«فاست فود»؟
مضار الوجبات السريعة والجاهزة التي قد تصل إلى مستوى أضرار السجائر، دفع بالكثير من الحكومات ومؤسسات حماية المستهلك إلى التحذير من «الإدمان عليها». وشرعت بعض الحكومات حالياً، كالحال في ألمانيا، على اتخاذ خطوات تلزم الصناعة بطباعة معلومات دقيقة وشاملة عن محتويات منتجاتها على الأغلفة، مع الإشارة إلى مدى حاجة الجسم منها في اليوم الواحد.
وفي بريطانيا وجّه ناشطون بينهم 110 من المدرسين الخبراء نداء إلى الحكومة البريطانية لحضها على العمل من أجل الحدّ من الانتشار الكاسح لوجبات الـ «فاست فود». وطالبوا أيضاً بضرورة الحدّ من الإعلانات التجارية التي تروّج للأطعمة غير الصحية.
وفي فرنسا اتخذت الحكومة قراراً ألزمت بموجبه الإعلانات الخاصة بالأطعمة الجاهزة، بأن تحتوي على تحذير صحي من مخاطرها على الصحة، أسوة بإعلانات التدخين