اسحاق. لكن الوعد الإلهي الذي قطع لابراهيم كان في استمرار النبوة والإمامة في نسل اسماعيل وكانت اختبارات صعبة في انتظارهما
وقد امر الله عز وجل ابراهيم عليه السلام ليهاجر مع زوجته هاجر وطفلها اسماعيل من مصر الى ارض مكة ـ كحرم آمن ليقيما هناك. وان دراسة مسيرة هجرة سيدنا ابراهيم والسيدة هاجر وقصة استقامة هاجر في هذه المسيرة جعلتهما بحق لتقديم الانموذج والأسوة للسائحات المهاجرات والأناس المهاجرين.
عندما وصل سيدنا ابراهيم الى مكان الكعبة وضع هاجر واسماعيل في تلك الأرض بأمر من الله ووضعهما في تلك الأرض الغريبة والجافة والحارة التي تنعدم فيها المياه والأعلاف ومعها مؤنة وجيزة من الماء والغذاء وقد عاد من ذلك المكان بقلب مفعهم بالإيمان والأمل وبالألطاف الإلهية.
وعند عودة ابراهيم عليه السلام، فقد وجدت السيدة هاجر ان هذه الوحدة هي امر الهي وقد سلمت نفسها الى أمر الله وتوكلت على اللطف الإلهي. وكان الموقف يبدو صعباً للبقاء في وادي يابس لا يوجد فيه زرع ولا اشجار تحت اشعة الشمس المحرقة وهبوب الرياح الحارة والمكوث على الحصى الساخنة لمن لم يألف مثل هذه الأجواء وبالرغم من مجيء الناس من كل صوب وحدب نحو مكة والدعاء والابتهال الى الله ولكن نظراً لعدم توفر الظروف الجوية والمعيشية المؤاتية والملائمة لم يتوقف ويمكث احد في هذا المكان. وعندما كان ابراهيم عليه السلام يغادر زوجته وابنه الوحيد وكان من الصعب عليه ان يفارقهما توجه الى الله عز وجل بالدعاء لهما وكان دعاؤه يشير الى عمق الإيمان القلبي لسيدنا ابراهيم عليه السلام إذ قال في دعائه
(ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون). ابراهيم الآية 37.
وانتهجت السيدة هاجر حيال القضاء الإلهي هذا الصبر والتريث حتى انتهى ما كان من ماء وغذاء في متاعها. وكان طفلها اسماعيل يعاني في تلك الصحراء المحرقة من العطش الشديد وكانت قد تعرضت حياته للخطر من شدة العطش وكان يبكي بشدة ويعتصر فؤاد امه الألم من مشاهدة عدم استقرار طفلها وراحت تبحث عن الماء له وإذا بها تتجه نحو السراب سبعة مرات وتعود بين الصفا والمروة وهي متلهفة بحثاً عن الماء ولعلها تعثر عليه كما تشاهده من بعيد بين جبل الصفا والمروة ولتنقذ به حياة طفلها العزيز.
الأم التي كانت تركض من هذا الجانب من الجبل الى الجانب الآخر منه لتحصل على الماء. ومع وجود حالة الرضا والتسليم في نفسها إلا أنها لم تجلس الىجانب طفلها ليحدث حادث ولتخرج يد من الغيب وتحصل المعجزة بل انها تذهب سعياً على قدميها بحثاً عن الماء. ففي تلك اللحظات الصعبة التي تعاني منها هذه الأم المحروقة الفؤاذ التي انقطعت عنها كافة العوامل المادية فعقدت الأمل على لطف الله ورحمته طالبة منه العون، وإذا بها ترى الماء ينبع من تحت اقدام ابنها. فعندما شاهدت الماء علمت بأن اللطف الإلهي قد شمل حالها وحال ابنها وانها لم تنس الله الرحمن الرحيم. وتوجهت نحو طفلها بجسمها المتعب والمعذب وروت فمه العطشان بالماء ولم ينته اجر جهودها وصبرها في السعي بين الصفا والمروة بهذه الظاهرة الدنيوية وقد استمر السعي بين الصفا والمروة باعتباره احد الشعائر المهمة لله عز وجل في البرامج العبادية والسياسية للحج في مسار التاريخ فالسعي بين الصفا والمروة يمثل حركة متسارعة وباحثة وهادفة وتكريماً لجهود تلك المرأة والتأكيدعلى اللطف الإلهي.
وذاك النبع هو نبع زمزم الذي بقي حتى يومنا هذا حيث يجتمع الحجاج حوله بحثاً عن زلال الحسنات في الدنيا والآخرة ليشربوا جرعة من مائه او الأخذ بمقدار منه للتبرك.
وبذلك شمل نسيم اللطف الإلهي تلك الأم التي عقدت املها على رحمته وانقذها وطفلها من الموت الحتمي وخلد اسميمهما في التاريخ فعندما ظهر نبع زمزم جاءت الطيور من اطراف الصحراء المحرقة في مكة نحو هذا النبع كما جاء قوم يطلق عليهم اسم (جرهم) الذين كانوا يعيشون بمقربة من تلك المنطقة نحو هذا النبع بعدما شاهدوا تجميع المزيد من الطيور في تلك النقطة وقد حدسوا لابد من ظهور ماء في ذلك المكان. لذلك جاءوا الى هذا المكان بحثاً عن الماء وقد اختاروا المكان للعيش فيه بعد اكتشافهم ظهور النبع هناك. وبذلك تخلصت هاجر وطفلها من الوحدة واستأنسا بتواجد الناس هناك وقد استجيب لدعاء ابراهيم عليه السلام.
وبعد مدة جاء سيدنا ابراهيم لزيارة زوجته وابنه وقد شعر بمزيد من الارتياح والفرح بعد ان شاهد الكثير من الناس هناك
وهاجر هذه المرأة المخلصة والمطيعة لأمر الله ولرسوله خلدت ابناً لها اصبح اباً للانبياء وكان نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم من سلالته
وعندما توفيت هاجر دفنت الى جانب بيت الله الحرام وقد عرف قبرها بحجر اسماعيل أي المكان الذي تربى فيه احد المرسلين السماويين واصبح جزءاً من المطاف حيث يعد الطواف حول الكعبة دون الطواف حول حجر اسماعيل باطلاً وكانت هاجر الانموذج الكامل للمهاجرين الى الله.